الطبع والتطبع
المقدمة
1. في لغتنا العربية أمثال عديدة بعضها تتخذ جانب
المظلومين الطيبين من الناس، فتحاول أن تغرس في أنفسهم شموع النضال لتغيير واقعهم
المظلم، وحياتهم البائسة، والبعض الآخر من الأمثال تحاول أن تبذر بذور الفشل والانهزام
في النفس الإنسانية، وتجعل المرء متشائما من أمكانية التغيير ومحاولة أن يبدد
الظلم المسيطر، والجهل المنتشر، لأنه يظن أنه لا أمل موجود في التغيير، وأن ما هو
كائن سيبقى دائما دون أن يتغير، ولكن الحقيقة تذكر أنه لاشي يمكن أن يستمر أبدآ،
فالظلم المهيمن على الناس لابد أن يزول إذا ما ناضلوا من أجل القضاء عليه أو
التخفيف منه، وإن المرض يمكن أن يعالج إذا ما وجدنا الطبيب الماهر القادر على
تشخيص المرض، ووصف العلاج المناسب له، في كل داء يوجد الدواء الذي يقضي على ذلك
المرض، وعلى أسباب انتشاره، إلا بعض الأمراض القليلة التي لم يجد الطب لها دواء
حتى الآن.
2. المثل الذي أنا بصدده يقول ( الطبع أم التطبع؟
) وهو مطروح على شكل استفهام إنكاري، بمعنى هل يتساوى من كانت الصفة طبعا فيه مع
من يحاول أن يتظاهر أن تلك الصفة موجودة فيه، إن أغلب الصفات التي يتصف بها
الإنسان يمكن أن يجعلها قوية فيه بكثرة التدريب والمتابعة، صحيح أن صفات الإنسان
تتدخل فيها عوامل عديدة مثل الوراثة، والثقافة، والاستعداد النفسي، والأصدقاء،
والميل إلى المتابعة والمواصلة، وبذل الجهد.
3.
لنأخذ مثلا صفة الهدوء وضبط النفس،
هل هاتين الصفتين من الطبع أم من التطبع؟ يمكن للإنسان أن يتحلى بهاتين الصفتين
أولا ثم يفقدهما بمرور الوقت لأنه لم يعود نفسه على الهدوء عند الاختلاف مع الناس،
أو ضبط نفسه حين يتعرف على وجهات نظر الآخرين التي تبدو بعيدة تماما عن وجهة نظره،
فلا يهمنا أن تكون الصفة الموجودة في الإنسان طبعا فيه أم تطبعا، ما دام صادقا في
اكتساب تلك الصفة، وحريصا على المحافظة عليها ورعايتها.
الطبع أم التطبع؟؟
4. الوراثة تكشف نفسها عن
طريق تفاعلات معقدة مع البيئة التي يعيش فيها الفرد، ذات حين كان الوالدان ينسب
إليهما كل الفضل، أو يوجه إليهما كل اللوم، في ما يؤول إليه حال نسلهما من رفعة أو
شر، ثم جاءت نتائج الأبحاث تقول لنا إن الوراثة هي التي تقرر من نكون من البشر، ثم
زادت الأبحاث على ذلك بالقول إن بوسع الوالدين أن يلقيا بثقلهما على أولادهما و
يساعدا الأولاد على أن يحيوا حياة سعيدة صحيحة، وهذه النتيجة الأخيرة يمكنها أن
تشيع الطمأنينة في نفوس بعض الآباء والأمهات، أو أن تثير القلق في نفوس البعض منهم،
و ذلك تبعاً لأخلاق وطبائع الوالدين نفسيهما، وكيفية تنشئتهما لأبنائهم و بناتهم.
5. إن عنوان هذه التأثيرات،
سلباً أم إيجاباً، يلخص بكلمتين اثنتين، ما برحتا منذ أقدم العصور محطّ التربية،
وهما : " الطبع أم التطبُع " وفي دراسة أجراها عالم النفس الأميركي
الدكتور رايس، من جامعة جورج واشنطن، و معاونوه، طوال أكثر من اثنتي عشرة سنة حول
موضوع تطور الفرد في سن البلوغ، برزت من جديد نتيجة معروفة تقول إن للوالدين
تأثيراً قليلاً نسبياً على الحال التي يؤول إليها الصغار بعد أن يشبّوا على الطوق،
هذا مع الأخذ في الحسبان بالطبع، دور الجينات التي يورّثانها صغارهما.
6. وقد حاول الدارسون في
هذه الدراسة المستفيضة عن تطور الأطفال، النظر إلى الفروق البيئية، فأفادوا بأنهم
لم يعثروا على كثير من هذه الفروق، مما حملهم على أن يستخلصوا بأن المؤثرات
الجينية مسئولة إلى حد كبير عن الكيفية التي يتهيأ بها الصغار: أحوالهم الدراسية، وقابليتهم
للاندماج مع أقرانهم، ومنحى سلوكهم، هل هو متجه اتجاهاً طبيعياً أو ميالاً إلى
الجنوح.
7. إن هذه النتيجة التي توصل إليها الدكتور رايس و
زملاءه بعد دراسة استغرقت بضع عشرة سنة، لم تدهش باحثاً آخر هو الدكتور روبرت
بلومين من معهد علم النفس في لندن و هو باحث جيني سلوكي، ما برح ينادي منذ سنوات
بهذه " الحقائق الجديدة " التي اكتشفها مؤخراً عالم النفس الأميركي، وهي
أن للجينات تأثيراً على شخصياتنا، أكبر مما كان يظن، و أن دور التنشئة أقل من دور
الجينات، النتائج الآنفة تعكس أوجه الخلاف الكبير بين علماء النفس حول دور "الطبع
" ودور " التطبع " في حياة الشخص.
الفرق
بين الطبع والتطبع
8. الطبع نرثه والتطبع
نصنعه؟ أي نفعل الخير لأنه من طبعنا؟؟؟ أم تمشيا لاعتقادنا بأخلاق ومبادئ معينه
؟؟؟ و هل هذه العبارة صحيحة: لو لا الاطباع لما استطعنا قيادة الأخلاق ؟؟
ردا على تلك الأسئلة التي طالما شغلت تفكير الكثير، و جعلتهم في دوامة و متاهات كثيرة، في حقيقة الأمر النفس الإنسانية في أول النشأ تجبل على الفطرة وكما يقول الحديث النبوي الشريف - بما معنى وليس بصريح لفظ النص - يولد المولود على الفطرة و أبواه هما اللذان يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه ....إلى آخره فالإنسان يولد إذاً على الفطرة، و من خلال أبحاث كثيرة لكبار علماء المسلمين بالرجوع إلى القرآن و السنة عُرِفت الفطرة بالإسلام، و الإسلام كما يعلم الكل هو نفسه الخير، إذاً فالمعادلة أصبحت واضحة...
ردا على تلك الأسئلة التي طالما شغلت تفكير الكثير، و جعلتهم في دوامة و متاهات كثيرة، في حقيقة الأمر النفس الإنسانية في أول النشأ تجبل على الفطرة وكما يقول الحديث النبوي الشريف - بما معنى وليس بصريح لفظ النص - يولد المولود على الفطرة و أبواه هما اللذان يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه ....إلى آخره فالإنسان يولد إذاً على الفطرة، و من خلال أبحاث كثيرة لكبار علماء المسلمين بالرجوع إلى القرآن و السنة عُرِفت الفطرة بالإسلام، و الإسلام كما يعلم الكل هو نفسه الخير، إذاً فالمعادلة أصبحت واضحة...
الخلاصة
10. إن الله
سبحانه وتعالى خلق الإنسان وخلق فيه القدرة والقوة لقبول الوصول إلى الكمال الخلقي
وطلبه، إذا تحقق شرط التربية، وتربية النفس تتعلق باختيار المرء لذلك، واتخاذه
قرار التغيير، وتأديب النفس وتهذيب القلب لا يأتي جملة بين عشية وضحاها وإنما
يحتاج إلى ترويض وتدريب، فلو أراد الإنسان أن يقتلع من نفسه صفة من الصفات التي لا
يرضاها ولا يحمدها بالجملة لما استطاع ذلك وعجز عنه، لكن لو أراد أن يقهر نفسه
ويطوعها ِلمَا أراد بالرياضة والمجاهدة والدربة لقدر على ذلك، وقد أمرنا الله أن
نغير ما بأنفسنا وعلمنا سنة التدرج، فهذا شرب الخمر رذيلة الرذائل وأم الخبائث
كلنا يعلم المراحل التي مر منها حتى صدر حكم تحريمها النهائي، كل ذلك لينعم
الإنسان بالسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، وكل ذلك تحقيقا للمقاصد الشرعية من
وجه التكملة والتتمة.
11.
واختم بمثالٍ وهو التدخين الذي ابتلي به الكثير من الناس "بحكم العادة" لأنه
عذر الممارسين لذلك وكونه أصبح عندهم عادة فهذا يؤكد ما طرح في هذه المقالة وأقول كما جُعل التدخين عادة فاجعل تركه
عادة طيبةً و لا تقل الطبع يغلب التطبع فليس ثمة شيْءٌ مقدس إلا الإسلام بمعناه
العام الشامل وما سواه فهو محل نظر و تأملٍ مهما تقدس اجتماعيا، أريد القول هنا: "أن تغير الطباع ممكن ولكن
يشترط أن يرفق الأمر الإخلاص في الرغبة بطرد أو جلب أي طبع أو خلق".